سورة هود - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ} أخبار الغيب، {نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} من قبل نزول القرآن، {فَاصْبِرْ} على القيام بأمر الله وتبليغ الرسالة وما تلقى من أذى الكفار كما صبر نوح، {إِنَّ الْعَاقِبَةَ} آخر الأمر بالسعادة والنصرة {لِلْمُتَّقِينَ}.
قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ} أي: وأرسلنا إلى عاد، {أَخَاهُمْ هُودًا} في النسب لا في الدين، {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} وحدوا الله {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ} ما أنتم في إشراككم إلا كاذبون.
{يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه} أي: على تبليغ الرسالة، {أَجْرًا} جعلا {إِنْ أَجْرِيَ} ما ثوابي، {إِلا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} خلقني، {أَفَلا تَعْقِلُونَ}.
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} أي: آمنوا به، والاستغفار هاهنا بمعنى الإيمان، {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} من عبادة غيره ومن سالف ذنوبكم، {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} أي: يرسل المطر عليكم متتابعا، مرة بعد أخرى في أوقات الحاجة، {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} أي: شدة مع شدتكم. وذلك أن الله عز وجل حبس عنهم القطر ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم فلم يلدن، فقال لهم هود عليه السلام: إن آمنتم أرسل الله عليكم المطر، فتزدادون مالا ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت، فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد. وقيل: تزدادون قوة في الدين إلى قوة البدن. {وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} أي: لا تدبروا مشركين.


{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} أي: ببرهان وحجة واضحة على ما تقول، {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} أي: بقولك، {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدقين.
{إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا} أي: أصابك {بِسُوءٍ} يعني: لست تتعاطى ما نتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا اعتراك، أي: أصابك بسوء بخبل وجنون، وذلك أنك سببت آلهتنا فانتقموا منك بالتخبيل لا نحمل أمرك إلا على هذا، {قال} لهم هود، {إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ} على نفسي، {وَاشْهَدُوا} يا قوم {أنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}.
{مِنْ دُونِهِ} يعني: الأوثان، {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} فاحتالوا في مكركم وضري أنتم وأوثانكم، {ثُمَّ لا تُنْظِرُون} لا تؤخرون ولا تمهلون.
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ} أي: اعتمدت {عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} قال الضحاك: يحييها ويميتها.
قال الفراء: مالكها والقادر عليها.
وقال القتيبي: يقهرها، لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته.
وقيل: إنما خصَّ الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة، فتقول: ناصية فلان بيد فلان، وكانوا إذا أسروا إنسانا وأرادوا إطلاقه والمَنَّ عليه جزُّوا ناصيته ليعتدوا بذلك فخرًا عليه، فخاطبهم الله بما يعرفون.
{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يعني: إن ربي وإن كان قادرا عليهم فإنه لا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والعدل، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه. وقيل: معناه إن دين ربي إلى صراط مستقيم.
وقيل فيه إضمار، أي: إن ربي يحثكم ويحملكم على صراط مستقيم.


{فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي: تتولوا، يعني: تعرضوا عمَّا دعوتكم إليه، {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أي: إن أعرضتم يهلككم الله عز وجل ويستبدل بكم قوما غيركم أطوع منكم، يوحدونه ويعبدونه، {وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} بتوليكم وإعراضكم، إنما تضرون أنفسكم. وقيل: لا تنقصونه شيئا إذا أهلككم لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء، {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي: لكل شيء حافظ، يحفظني من أن تنالوني بسوء.
قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} عذابنا، {نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} وكانوا أربعة آلاف. {بِرَحْمَة} بنعمة {مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وهو الريح التي أهلك بها عادًا، وقيل: العذاب الغليظ: عذاب يوم القيامة، أي: كما نجيناهم في الدنيا من العذاب كذلك نجيناهم في الآخرة.
{وَتِلْكَ عَادٌ} ردَّه إلى القبيلة، {جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ} يعني: هودًا وحده، ذكره بلفظ الجمع لأن مَنْ كذّب رسولا كان كمن كذَّب جميع الرسل، {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أي: واتبع السفلة والسقاط أهل التكبر والعناد، والجبار: المتكبر، والعنيد: الذي لا يقبل الحق، يقال: عَنَدَ الرجل يعند عنودا إذا أبى أن يقبل الشيء وإن عرفه. قال أبو عبيدة العنيد والعاند والعنود والمعاند: المعارض لك بالخلاف.
{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أي: أُرْدِفُوا لعنة تلحقهم وتنصرف معهم واللعنة: هي الإبعاد والطرد عن الرحمة، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: وفي يوم القيامة أيضا لعنوا كما لعنوا في الدنيا والآخرة، {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ} أي: بربهم، يقال: كفرته وكفرت به، كما يقال: شكرتُه وشكرتُ له ونصحتُه ونصحتُ له. {أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} قيل: بعدًا من رحمة الله. وقيل: هلاكًا. وللبعد معنيان: أحدهما ضد القرب، يقال منه: بَعُدَ يبعُدُ بُعْدًا، والآخر: بمعنى الهلاك، يقال منه: بَعِدَ يَبْعَدُ بَعْدًا وبُعْدًا.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11